الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
لاَ يَتَيَمَّمُ مِنْ الْمَرْضَى إلاَّ مَنْ لاَ يَجِدُ الْمَاءَ , أَوْ مَنْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ أَوْ فِي الْغُسْلِ بِهِ أَوْ الْمُسَافِرُ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَاءَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ أَوْ الْغُسْلِ بِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ زِيَادَةَ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَيْضًا عُسْرٌ وَحَرَجٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ : الْمَرِيضُ لاَ يَتَيَمَّمُ أَصْلاً مَا دَامَ يَجِدُ الْمَاءَ , وَلاَ يُجْزِيهِ إلاَّ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ , الْمَجْدُورُ وَغَيْرُ الْمَجْدُورِ سَوَاءٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا , سَفَرَ طَاعَةٍ كَانَ أَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ مُبَاحًا , هَذَا مِمَّا لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا , إلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ قَوْلاً لَمْ يَنْسِبْهُ إلَى أَحَدٍ , وَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَجُوزُ إلاَّ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ حَدَّ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ وَالْفِطْرِ سَفَرًا دُونَ سَفَرٍ , فِي بَعْضِ الْمَسَافَاتِ دُونَ بَعْضٍ , وَفِي بَعْضِ الأَسْفَارِ دُونَ بَعْضٍ , وَفَرَّقَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ : أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ , فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا لَزِمَهُمْ , إذْ هُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَقِيسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ صِفَةِ السَّفَرِ فِي الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ السَّفَرِ فِي التَّيَمُّمِ , وَإِلاَّ فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ , وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَبِاَللَّهِ تعالى التَّوْفِيقُ. وَالْمَرَضُ هُوَ كُلُّ مَا أَحَالَ الإِنْسَانَ عَنْ الْقُوَّةِ وَالتَّصَرُّفِ , هَذَا حُكْمُ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَيَتَيَمَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ صَحِيحًا إذَا كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ إلاَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَالدَّلْوُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى شَفِيرِ النَّهْرِ وَالسَّاقِيَّةِ وَالْعَيْنِ , إلاَّ أَنَّهُ يُوقِنُ أَنَّهُ لاَ يُتِمُّ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ حَتَّى يَطْلُعَ أَوَّلُ قَرْنِ الشَّمْسِ , وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ وَالْخَائِفُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ , فَذَكَرَ فِيهَا : وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا , وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ. وبه إلى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ , وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا , وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً , وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ. فَهَذَا عُمُومٌ دَخَلَ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْبَادِي. فإن قيل : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَلَمْ يُبِحْ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ إلاَّ مُسَافِرًا. قلنا : نَعَمْ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْتُمْ , وَقَالَ تَعَالَى : وقال أبو حنيفة وَالشَّافِعِيُّ : لاَ يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ , لَكِنْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ إلاَّ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , ثُمَّ أَعَادَ ، وَلاَ بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ , وَقَالَ زُفَرُ : لاَ يَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ , لَكِنْ يَصْبِرُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَيَجِدَ الْمَاءَ فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَمْرُهُمَا لَهُ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَا أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ هِيَ فَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ بِصَلاَةٍ لَمْ يَفْرِضْهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ , فَإِنْ قَالَ مُقَلِّدُهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ : هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ , قلنا فَلِمَ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَإِنْ قَالُوا : بَلْ أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ , أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ , وَهَذَا خَطَأٌ, وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ , لاَِنَّهُ أَسْقَطَ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّلاَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَائِهَا فِيهِ , وَأَلْزَمَهُ إيَّاهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ. قال أبو محمد : وَالصَّلاَةُ فَرْضٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ , وَالتَّأْكِيدُ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ مُسْلِمٌ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَوَجَدْنَا هَذَا الَّذِي حَضَرَتْهُ الصَّلاَةُ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَبِالصَّلاَةِ , فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ سَقَطَا عَنْهُ , وَقَدْ نَصَّ عليه السلام عَلَى أَنَّ الأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ , فَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلاَةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ , وَهَذَا بَيِّنٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالسَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ سَفَرًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ أَوْ مِمَّا لاَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ مِنْ الْبُرُوزِ عَنْ الْمَنَازِلِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ , فأما الْمُسَافِرُ سَفَرًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ التَّيَمُّمُ فَالأَفْضَلُ لَهُمَا أَنْ يَتَيَمَّمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ , سَوَاءٌ رَجَوْا الْمَاءَ أَوْ أَيْقَنَا بِوُجُودِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ , أَوْ أَيْقَنَا أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ , وَكَذَلِكَ رَجَاءُ الصِّحَّةِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ وَمَنْ لَهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ إلاَّ حَتَّى يُوقِنَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ إمْكَانِ الْمَاءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَاءَ , وَفِي الْمَرِيضِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَرِيضِ ذِي الْحَرَجِ , وَكَانَ الْبِدَارُ إلَى الصَّلاَةِ أَفْضَلَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلاَ خِلاَفَ مِنْ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ , وَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَيَقُّنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ إلاَّ بِاخْتِلاَفٍ , وَلَوْلاَ النَّصُّ مَا حُلَّ لَهُ. وقال أبو حنيفة فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ : لاَ يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ إلاَّ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , إلاَّ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ يَطْمَعُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِهِ فَلْيَتَيَمَّمْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ سُفْيَانُ : يُؤَخِّرُ الْمُسَافِرُ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ , وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ , وقال مالك مَرَّةً : لاَ يُعَجِّلُ ، وَلاَ يُؤَخِّرُ , وَلَكِنْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ. وَقَالَ مَرَّةً : إنْ أَيْقَنَ بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ , فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلاَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , وَإِنْ كَانَ طَامِعًا فِي وُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَخَّرَ التَّيَمُّمَ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ , فَيَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِهِ وَيُصَلِّي , وَإِنْ كَانَ مُوقِنًا أَنَّهُ لاَ يَجِدُ الْمَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَيَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ : التَّعَلُّقُ بِتَأْخِيرِ التَّيَمُّمِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ لاَ مَعْنَى لَهُ ; لاَِنَّهُ لاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ عَمَلَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْمُتَيَمِّمِ , وَلاَ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْضَلُ ، وَلاَ أَتَمُّ مِنْ صَلاَةِ الْمُتَيَمِّمِ , وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ طَهَارَةٌ تَامَّةٌ وَصَلاَةٌ تَامَّةٌ , وَفَرْضٌ فِي حَالَةٍ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْخِيرُ الصَّلاَةِ رَجَاءَ وُجُودِ الْمَاءِ تَرْكٌ لِلْفَضْلِ فِي الْبِدَارِ إلَى أَفْضَلِ الأَعْمَالِ بِلاَ مَعْنَى , وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَعْرَجِ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ : أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عليه السلام. وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ أَوْ مِيلاَنِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ : أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الْجُرْفِ , فَلَمَّا أَتَى الْمِرْبَدَ لَمْ يَجِدْ مَاءً , فَنَزَلَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ وَصَلَّى ثُمَّ لَمْ يُعِدْ تِلْكَ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : أَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ طَلَبَهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ , فَإِنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبُهُ وَتَيَمَّمَ. قَالَ : وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ , فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ حِسَّ النَّاسِ وَأَصْوَاتَهُمْ تَيَمَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْهَا وَمِنْ مِثْلِهَا وَمَنْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبًا إلاَّ أَنَّهُ يَخَافُ ضَيَاعَ رَحْلِهِ أَوْ فَوْتَ الرُّفْقَةِ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ ظَالِمٌ أَوْ نَارٌ أَوْ أَيُّ خَوْفٍ كَانَ فِي الْقَصْدِ إلَيْهِ مَشَقَّةٌ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : فَإِنْ طَلَبَ بِحَقٍّ فَلاَ عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ , لاَِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَمْتَنِعَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ قَبِلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِعِبَادِهِ , فَإِنْ امْتَنَعَ فَهُوَ عَاصٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَلَوْ كَانَ عَلَى بِئْرٍ يَرَاهَا وَيَعْرِفُهَا فِي سَفَرٍ وَخَافَ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ أَوْ فَوْتَ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ : تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ , لَكِنْ يَتَوَضَّأُ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لاَِنَّ كُلَّ هَذَا عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ , فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ الْمَاءَ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ بِلاَ حَرَجٍ. وَمَنْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ فَنَسِيَهُ أَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ لاَ يَدْرِي بِهَا فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ , لاَِنَّ هَذَيْنِ غَيْرُ وَاجِدَيْنِ لِلْمَاءِ , وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد. وقال مالك : يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ ، وَلاَ يُعِيدُ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ : يُعِيدُ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مِنْهُ عَلَى رَمْيَةِ سَهْمٍ أَوْ نَحْوِهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ بِهَا أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ , فَإِنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِهَا أَوْ بِقُرْبِهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ التَّيَمُّمُ. وَكُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ , هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ أَيْضًا وُجُودُ الْمَاءِ , سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي صَلاَةٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ صَلَّى أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ , فَإِنَّ صَلاَتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا تُنْتَقَضُ لاِنْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ , ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلاَةَ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا قَدْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ إثْرَ سَلاَمِهِ مِنْهَا , الْخِلاَفُ فِي هَذَا فِي ثَلاَثِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا وُجِدَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ مَا لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : إذَا كُنْتَ جُنُبًا فِي سَفَرٍ فَتَمْسَحُ ثُمَّ إذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَلاَ تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ إنْ شِئْتَ , قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ : مَا يُدْرِيهِ إذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ. وَبِإِحْدَاثِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ يَقُولُ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لاَ يَرَى تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنْ قَالَ : التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَنْقُضُهَا إلاَّ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَاتِ , وَلَيْسَ وُجُودُ الْمَاءِ حَدَثًا , فَوُجُودُ الْمَاءِ لاَ يَنْقُضُ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ هَذَا قَوْلاً صَحِيحًا لَوْلاَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَوْفٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، حدثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ , فَلَمَّا انْفَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلاَتِهِ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ , فَقَالَ : مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ : أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلاَ مَاءَ , قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ أَمْرَ الْمَاءِ الَّذِي أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى آيَةً لِنَبِيِّهِ عليه السلام قَالَ : " وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ , وَقَالَ : اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ بِبَغْدَادَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْقَوْمِ جُنُبٌ , فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى , ثُمَّ وَجَدْنَا الْمَاءَ بَعْدُ , فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ ، وَلاَ يُعِيدَ الصَّلاَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ. فَصَحَّ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ أَنَّ الطَّهُورَ بِالتُّرَابِ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ , وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي أَنْ لاَ يَجُوزَ التَّطَهُّرُ بِالتُّرَابِ إلاَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ , وَيَقْتَضِي أَنْ لاَ يَصِحَّ طَهُورٌ بِالتُّرَابِ إلاَّ أَنْ لاَ نَجِدَ الْمَاءَ إلاَّ لِمَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ نَصٌّ آخَرُ , وَإِذَا كَانَ هَذَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِالْقَبُولِ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الآخَرِ , بَلْ فَرَضَ الْعَمَلَ بِهِمَا مَعًا , وَصَحَّحَ هَذَا أَيْضًا أَمْرُهُ عليه السلام الْمُجْنِبَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ وَالصَّلاَةِ , ثُمَّ أَمْرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْغُسْلِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي : إنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلاَةِ أَيُعِيدُهَا أَمْ لاَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وطَاوُوس وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : إنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , وَعَنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ , وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ , وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ , وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ طَاوُوس. وقال مالك : الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ يَتَيَمَّمُونَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ , فَإِنْ تَيَمَّمُوا وَصَلَّوْا ثُمَّ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لاَ يُعِيدُ , وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ فَيُعِيدَانِ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ , لاَِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ , كَمَا أُمِرَ بِهِ الْمُسَافِرُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ الْمُبَاحُ لَهُمَا التَّيَمُّمُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْعُسْرِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا , فَلَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ , نَعَمْ , وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعِيدُ الْكُلَّ , وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لاَ يُعِيدُ فَنَظَرْنَا , فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورًا بِالتَّيَمُّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , فَلَمَّا صَلَّوْا كَانُوا لاَ يَخْلُونَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا أَوْ لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا. فَإِنْ قَالُوا لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا قلنا لَهُمْ : فَهُمْ إذًا مَنْهِيُّونَ عَنْ التَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ ابْتِدَاءً لاَ بُدَّ مِنْ هَذِهِ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , وَلَوْ قَالَهُ لَكَانَ مُخْطِئًا مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالإِجْمَاعِ , فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْقِسْمُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْقِسْمُ الثَّانِي , وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا , فَإِذْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا فَلاَ تَحِلُّ لَهُمْ إعَادَةُ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ , لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ ، حدثنا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ : أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلاَطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ تُصَلُّوا صَلاَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَسَقَطَ الأَمْرُ بِالإِعَادَةِ جُمْلَةً. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالثَّالِثُ مَنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ , فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا ثَوْرٍ وَدَاوُد. قَالُوا : إنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَتَمَادَ عَلَى صَلاَتِهِ ، وَلاَ يُعِيدُهَا ، وَلاَ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِذَلِكَ , وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَغْتَسِلْ ، وَلاَ بُدَّ , لاَ تُجْزِيهِ صَلاَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ إلاَّ بِذَلِكَ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ : سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَ الصَّلاَةِ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ ، وَلاَ بُدَّ , وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ وَيَبْتَدِيهَا , وَأَمَّا إنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ تِلْكَ , وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لاَ تُجْزِيهِ صَلاَةٌ يَسْتَأْنِفُهَا إلاَّ بِذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلاَةِ وَوُجُودِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ إنْ قَالُوا قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَمَا أُمِرَ , فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. قال أبو محمد : لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذِهِ , وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا , لاَِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ يَخْلُو وُجُودُ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُحْدِثِ أَوْ الْمُجْنِبِ , أَوْ يَكُونَ لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ، وَلاَ يُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُجْنِبِ أَوْ الْمُحْدِثِ. فَإِنْ قَالُوا لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ، وَلاَ يُعِيدُهُ مُجْنِبًا ، وَلاَ مُحْدِثًا , فَهَذَا جَوَابُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا , قلنا فَلاَ عَلَيْكُمْ , أَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ مَتَى وَجَدَ الْمَاءَ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْكُمْ , فَمِنْ قَوْلِهِمْ نَعَمْ ,. . فَقُلْنَا لَهُمْ : فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي حِينِ وُجُودِهِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ الصَّلاَةِ بِنَصِّ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِكُمْ فِي الْبِدَارِ إلَى مَا أُمِرْنَا بِهِ فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ مَأْمُورًا بِذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ لِشُغْلِهِ بِهَا , قلنا : هَذَا فَرْقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , فَإِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ الصَّلاَةِ فَقَدْ صَحَّ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ أَنَّ أَمْرَكُمْ بِالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ عَلَى أَصْلِكُمْ لاَ تُنْتَقَضُ بِذَلِكَ صَلاَتُهُ , فَكَانَ اللاَّزِمُ عَلَى أُصُولِكُمْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ وَيَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ كَمَا تَقُولُونَ فِي الْمُحْدِثِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَجَوَابُهُمْ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ مُجْنِبًا وَمُحْدِثًا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ , وَلاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلاَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَكَانَ هَذَا قَوْلاً ظَاهِرَ الْفَسَادِ وَدَعْوَى عَارِيَّةً عَنْ الدَّلِيلِ , وَمَا جَاءَ قَطُّ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ فِي قِيَاسٍ ، وَلاَ فِي رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ أَنَّ شَيْئًا يَكُونُ حَدَثًا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ ، وَلاَ يَكُونُ حَدَثًا فِي الصَّلاَةِ وَالدَّعْوَى لاَ يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ , وَهِيَ بَاطِلٌ مَا لَمْ يُصَحِّحْهَا بُرْهَانٌ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ , لاَ سِيَّمَا قَوْلُهُمْ : إنَّ وُجُودَ الْمُصَلِّي الْمَاءَ فِي حَالِ صَلاَتِهِ لاَ يَنْقُضُ صَلاَتَهُ , فَإِذَا سَلَّمَ اُنْتُقِضَتْ طَهَارَتُهُ بِالْوُجُودِ الَّذِي كَانَ فِي الصَّلاَةِ , وَإِنْ لَمْ يَتَمَادَ ذَلِكَ الْوُجُودُ إلَى بَعْدِ الصَّلاَةِ , فَهَذَا أَطْرَفُ مَا يَكُونُ شَيْءٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ إذَا عُدِمَ ، وَلاَ يَنْقُضُهَا إذَا وُجِدَ وَهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا هَذَا بِعَيْنِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ : إنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي الصَّلاَةِ ، وَلاَ تَنْقُضُهَا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ فَصَحَّ أَنْ لاَ طَهَارَةَ تَصِحُّ بِتُرَابٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلاَّ لِمَنْ أَجَازَهُ لَهُ النَّصُّ مِنْ الْمَرِيضِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَرَجٌ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ بُطْلاَنُ طَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلاَةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَصَحَّ قَوْلُ سُفْيَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ. إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَنَاقَضَ هَهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ , أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرَى لِمَنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ , وَهَذَا أَحْدَثَ مَغْلُوبًا , فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ , وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَرَى السَّلاَمَ مِنْ الصَّلاَةِ لَيْسَ فَرْضًا : وَأَنَّ مَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ , وَأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ صَحَّتْ صَلاَتُهُ ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ , ثُمَّ رَأَى هَهُنَا أَنَّهُ وَإِنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّ صَلاَتَهُ تِلْكَ قَدْ بَطَلَتْ وَكَذَلِكَ طَهَارَتُهُ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُعِيدَهَا أَبَدًا , وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ وَالْبُعْدِ عَنْ النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ , وَمَا عَلِمْنَا هَذِهِ التَّفَارِيقَ لاَِحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْمَرِيضُ الْمُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرْنَا , فَإِنَّ صِحَّتَهُ لاَ تَنْقُضُ طَهَارَتَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَتْبَعْنَا إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , فَهُوَ الَّذِي تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ , وَأَمَّا مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ قَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ , بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ , فَإِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ حَدَثًا أَصْلاً , إذْ لَمْ يَأْتِ بِأَنَّهَا حَدَثٌ لاَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا الْمَرِيضَ عَلَى الْمُسَافِرِ , قلنا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ , وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ قِيَاسُ وَاجِدِ الْمَاءِ عَلَى عَادِمِهِ , وَقِيَاسُ مَرِيضٍ عَلَى صَحِيحٍ , وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ أَحْكَامَهُمَا فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا تَخْتَلِفُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَرْضَ وَالنَّوَافِلَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ بِحَدَثٍ أَوْ بِوُجُودِ الْمَاءِ , وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلاَ يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ إلاَّ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْ الأَحْدَاثِ فَقَطْ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِثْلِ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : التَّيَمُّمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ. يَقُولُ يُصَلِّي بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : صَلِّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا مَا لَمْ تُحْدِثْ , هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وقال مالك : لاَ يُصَلَّى صَلاَتَا فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِكُلِّ صَلاَةٍ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَتَطَوَّعَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمًا آخَرَ لِلْفَرِيضَةِ فَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْفَرِيضَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. وقال الشافعي : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ ، وَلاَ بُدَّ , وَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. وَقَالَ شَرِيكٌ : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ شَرِيكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَرَبِيعَةَ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَقْتِ صَلاَةِ فَرْضٍ إلاَّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْفَوَائِتَ مِنْ الْفُرُوضِ كُلِّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُ بِحُجَّةٍ أَصْلاً , لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ , وَلاَ يَخْلُو التَّيَمُّمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهَارَةً أَوْ لاَ طَهَارَةَ , فَإِنْ كَانَ طَهَارَةً فَيُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ نَقْضَهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ طَهَارَةً فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. وقال بعضهم : لَيْسَ طَهَارَةً تَامَّةً وَلَكِنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ لِلصَّلاَةِ. قال علي : وهذا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَوْلٌ يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قلنا لَهُمْ : هَذَا بَاطِلٌ , أَوَّلُ ذَلِكَ إنَّ قَوْلَكُمْ , إنَّ طَلَبَ الْمَاءِ يَنْقُضُ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَثَانِيهِ أَنَّ قَوْلَكُمْ : أَنَّ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ بَاطِلٌ وَأَيَّ مَاءٍ يَطْلُبُ وَهُوَ قَدْ طَلَبَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لاَ يَجِدُهُ ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ , فَأَيَّ مَاءٍ يَطْلُبُهُ الْمَرِيضُ الْوَاجِدُ الْمَاءَ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً , لاَ سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِلنَّوَافِلِ وَانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ النَّافِلَةِ لِلْفَرِيضَةِ , وَبَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِلْفَرِيضَةِ , وَطَلَبُ الْمَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ لِلنَّافِلَةِ ، وَلاَ بُدَّ , كَمَا يَلْزَمُ لِلْفَرِيضَةِ , إذْ لاَ فَرْقَ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلنَّافِلَةِ كَمَا تَجِبُ لِلْفَرِيضَةِ ، وَلاَ فَرْقَ , بِلاَ خِلاَفٍ بِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ , لاَ سِيَّمَا وَشَيْخُهُمْ الَّذِي قَلَّدُوهُ مَالِكٌ يَقُولُ فِي الْمُوَطَّأِ : لَيْسَ الْمُتَوَضِّئُ بِأَطْهَرَ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ , وَمَنْ تَيَمَّمَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا , لاَِنَّهُ أَوْجَبَ تَجْدِيدَ التَّيَمُّمِ لِلْفَرِيضَةِ وَلَمْ يُوجِبْهُ لِلنَّافِلَةِ , وَهَذَا خَطَأٌ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا , لاَِنَّهُ جَعَلَ الطَّهَارَةَ بِالتَّيَمُّمِ تَصِحُّ بِبَقَاءِ وَقْتِ الصَّلاَةِ وَتُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَمَا عَلِمْنَا فِي الأَحْدَاثِ خُرُوجَ وَقْتٍ أَصْلاً , لاَ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَإِنَّمَا جَاءَ الأَمْرُ بِالْغُسْلِ فِي كُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لاَِنَّ قِيَاسَ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لَمْ يُوجِبْهُ شَبَهٌ بَيْنَهُمَا ، وَلاَ عِلَّةٌ جَامِعَةٌ , فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ , فَحَصَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ دَعْوَى كُلَّهَا بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا إنَّ قَوْلَنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قلنا أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقِطَةٌ لاَِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّمَا هِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَقَتَادَةُ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا لاَ تَصِحُّ , وَلَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ , إذْ لَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَيْضًا فَإِنَّ تَقْسِيمَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا , فَهُمْ مُخَالِفُونَ الصَّحَابَةَ الْمَذْكُورِينَ فِي كُلِّ ذَلِكَ , وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. فَصَحَّ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالُوا , لاَ سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْمُبِيحِينَ لِلْقِيَامِ إلَى صَلاَةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ إحْدَاثِ تَيَمُّمٍ ، وَلاَ إحْدَاثِ طَلَبٍ لِلْمَاءِ , فَلاَ مُتَعَلَّقَ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ , وَإِنَّمَا الْكَلاَمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ شَرِيكٍ , فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ الآيَةَ لاَ تُوجِبُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُمْ , وَلَوْ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ لاََوْجَبَتْ غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلاَةِ أَبَدًا , وَإِنَّمَا حُكْمُ الآيَةِ فِي إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُجْنِبِينَ وَالْمُحْدِثِينَ فَقَطْ , بِنَصِّ آخِرِ الآيَةِ الْمُبَيِّنِ لاَِوَّلِهَا , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا : وَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَافِلَةً أَوْ فَرْضًا كَالْوُضُوءِ ، وَلاَ فَرْقَ , لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلاَةِ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى إلَى صَلاَةِ فَرْضٍ دُونَ النَّافِلَةِ , فَكُلُّ مُرِيدٍ صَلاَةً فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا , وَبِالْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّم إنْ كَانَ مُحْدِثًا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ لِمُرِيدِ الصَّلاَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ تَطَهُّرِهِ وَبَيْنَ صَلاَتِهِ مُهْلَةٌ مِنْ الزَّمَانِ , فَإِذْ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَنْ حَدَّ فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُهْلَةِ حَدًّا فَهُوَ مُبْطِلٌ , لاَِنَّهُ يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , فَإِذْ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالْوُضُوءِ ، وَلاَ بِالتَّيَمُّمِ طُولُ تِلْكَ الْمُهْلَةِ ، وَلاَ قِصَرُهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمَنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ , لاَِنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفِينَةُ تَجْرِي فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِ مَاءِ الْبَحْرِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ ذَلِكَ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ. رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءَ بِهِ , وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ التَّيَمُّمُ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ فَلَمْ يَجِدْ إلاَّ مَاءً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ الْمَوْتَ أَوْ الْمَرَضَ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْخِينِهِ إلاَّ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ , فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي , لاَِنَّهُ لاَ يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ. وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لاَ مَاءَ مَعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْوُضُوءِ ، وَلاَ لِلْغُسْلِ , لاَ بِمَا قَلَّ ، وَلاَ بِمَا كَثُرَ , فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ وَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ , وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلشُّرْبِ إنْ لَمْ يُعْطَهُ بِلاَ ثَمَنٍ , وَأَنْ يَطْلُبَهُ لِلْوُضُوءِ فَذَلِكَ لَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ وُهِبَ لَهُ تَوَضَّأَ بِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي هِلاَلُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلاَُ. حدثنا حمام ، حدثنا عِيسَى بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَبُو الْمِنْهَالِ أَنَّ إيَاسَ بْنَ عَبْدٍ قَالَ لِرَجُلٍ : لاَ تَبِعْ الْمَاءَ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ وَرَأَى نَاسًا يَبِيعُونَ الْمَاءَ فَقَالَ لاَ تَبِيعُوا الْمَاءَ , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَمْنَعَ نَقْعَ الْبِئْرِ يَعْنِي فَضْلَ الْمَاءِ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ , فَهَؤُلاَءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ تَقَصَّيْتُ الْكَلاَمَ فِي هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قال أبو محمد : فَإِذْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ حَرَامٌ , وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ بِالْبَيْعِ أَخْذٌ بِالْبَاطِلِ , وَإِذْ هُوَ مَأْخُوذٌ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكَ لَهُ , وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكٍ لَهُ فَلاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَمَّا ابْتِيَاعُهُ لِلشُّرْبِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ , وَالثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ , لاَِنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَمَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا اسْتِيهَابُهُ الْمَاءَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ إيجَابٌ ، وَلاَ جَاءَ عَنْهُ مَنْعٌ فَهُوَ مُبَاحٌ , قَالَ عليه السلام : دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام , فَإِذَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ فَقَدْ مَلَكَهُ بِحَقٍّ , فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ : عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ بِثَمَنِهِ , فَإِنْ طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ , تَيَمَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِهِ. وقال أبو حنيفة لاَ يَشْتَرِيهِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ. وقال مالك : إنْ كَانَ قَلِيلَ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلاَّ بِثَمَنٍ غَالٍ تَيَمَّمَ , وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَشِطُّوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ , وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يَشْتَرِيهِ وَلَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ. قال أبو محمد : إنْ كَانَ وَاجِدُهُ بِالثَّمَنِ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُنَا , وَأَمَّا التَّقْسِيمُ فِي ابْتِيَاعِهِ مَا لَمْ يَغْلِ عَلَيْهِ فِيهِ , وَتَرَكَهُ إنْ غُولِي بِهِ , فَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ , وَكُلُّ مَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَيْسَ غَالِيًا بِشَيْءٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ فَقَطْ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ , لاَ يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ , لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ , لاَِنَّهُمَا فَرْضَانِ مُتَغَايِرَانِ , وَإِذْ هُمَا كَذَلِكَ فَلاَ يَنُوبُ أَحَدٌ عَنْ الآخَرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَحَدَهُمَا بِكَمَالِهِ بِالْمَاءِ , فَلاَ يُجْزِيهِ إلاَّ ذَلِكَ , وَيُؤَدِّي الآخَرَ بِالتَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا أُمِرَ. فَلَوْ فَضَلَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ذَهَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَعُمَّ بِهِ سَائِرَ أَعْضَائِهِ , فَفَرْضُهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ وَالتَّيَمُّمُ , وقال الشافعي يَغْسِلُ بِهِ أَيَّ أَعْضَائِهِ شَاءَ وَيَتَيَمَّمُ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ أَصْحَابُنَا : وَهَذَا خَطَأٌ , لاَِنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ سَائِرِ أَعْضَائِهِ. بِمَنْعٍ مِنْهَا فَيُجْزِيهِ تَطْهِيرُ بَعْضِهَا: وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ مَا أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ بِالْمَاءِ , وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ ، وَلاَ بُدَّ , بِتَعْوِيضِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّعِيدَ مِنْ الْمَاءِ إذَا لَمْ يُوجَدْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لاََنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ وُضُوئِهِ أَوْ بِبَعْضِ غُسْلِهِ , غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ عَلَى بَاقِيهِ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْغُسْلِ بِمَا يَسْتَطِيعُ فِي الأَوَّلِ , فَالأَوَّلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَعْضَاءِ الْغُسْلِ حَيْثُ بَلَغَ , فَإِذَا نَفِدَ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِبَاقِي أَعْضَائِهِ ، وَلاَ بُدَّ , لاَِنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فِي تَطْهِيرِهَا , فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَعْوِيضُ التُّرَابِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , فَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ذَاهِبًا أَوْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ الْمَاءَ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ سَقَطَ حُكْمُهُ , قَلَّ أَوْ كَثُرَ , وَأَجْزَأَهُ غَسْلُ مَا بَقِيَ , لاَِنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ الأَعْضَاءِ , وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ لِوُجُودِهِ الْمَاءَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَمَنْ أَجْنَبَ ، وَلاَ مَاءَ مَعَهُ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمَيْنِ , يَنْوِي بِأَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الْجَنَابَةِ وَبِالآخِرِ الْوُضُوءَ , وَلاَ يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ كَمَا قَدَّمْنَا , فَلاَ يُجْزِئُ عَمَلٌ وَاحِدٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُفْتَرَضَيْنِ إلاَّ بِأَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا , وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ غَسْلِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِأَنَّ تَيَمُّمًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَعَنْ الْوُضُوءِ : وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ ، وَلاَ مَاءَ مَعَهَا فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ أَرْبَعِ تَيَمُّمَاتٍ : تَيَمُّمٌ لِلْحَيْضِ وَتَيَمُّمٌ لِلْجَنَابَةِ وَتَيَمُّمٌ لِلْوُضُوءِ وَتَيَمُّمٌ لِلْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , فَإِنْ كَانَتْ قَدْ غَسَّلَتْ مَيِّتًا فَتَيَمُّمٌ خَامِسٌ , وَالْبُرْهَانُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْغُسْلِ وَاجْتِمَاعِ وُجُوهِهِ الْمُوجِبَةِ لَهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|